قصتي في تعليم القراءة للأطفال

بداية التجربة في تعليم القراءة للأطفال

كان ذلك حينما وصلت البلجاء إلى سن الخامسة أو السادسة، وقد ذهبتُ في ذلك العام إلى بريطانيا لدراسة الماجستير، ولأنها البنت البكر فقد كنت أفكّر كثيرًا فيما ستؤول إليه الأمور لأنه لم تكن لي قبلها سابق تجربة في تعليم طفل القراءة والكتابة وما يتعلق بذلك.

ولا أخفيكم أنني كنت قلقًا جد القلق حول مستقبل هذه البنت وما ستؤول إليه الأمور، خاصة وأن الأمل أنني سوف أقضي ثلاث سنوات وربّما أكثر من ذلك في بلاد غريبة لا ينطق أهلها باللغة العربية، ولن تجد فيها ابنتي القدر الكافي من الساعات التي تقضيها في تعلّم اللغة العربية قراءة وكتابة، وهذا يعني بأنها سوف تكون معزولة عن ثقافتها، وكان يهمّني جدًا أن أؤهلها للآخرة قبل الدنيا، وأعدّ تلك مسؤولية كبيرة على عاتقي.

الخيارات التي وجدناها

اجتمعتُ مع أم البلجاء قبل سفرنا، واستشرنا من وصلنا إليه من إخواننا وأخواتنا من الذين لهم تجارب في تعليم أبنائهم القراءة والكتابة، فأُرشدونا إلى مجموعة من الكتب الموجودة في السوق، وحين نزلنا إلى السوق وجدنا عناوين متعددة تتفق في طرائقها وتختلف في أمثلتها.

فالكتاب الأول فيه ألف أرنب وباء بطة، والكتاب الثاني فيه ألف أسد وباء بقرة، والكتاب الثالث فيه ألف أحمد وباء بدر،
وهكذا تسير الأمثلة، تختلف ولكنها تتفق جميعًا في طرائقها: يُكتب الحرف بخط كبير، ثم بعد ذلك يتم الطلب من الطفل أن يكتب ذلك الحرف عشر مرّات أو عشرين مرّة أو أكثر من ذلك أو أقل.

اشترينا مجموعة من تلك الكتب، لا أذكر عددها لكن أذكر أنّها كانت كثيرة، وذهبنا إلى بريطانيا وأملنا أن تتعلم ابنتنا اللغة العربية قبل أن تتعلم اللغة الإنجليزية فجلسَت معها أمها ساعات طويلة، وأخذت تنتقل بين تلك الكتب، كلّما أنهت البنت كتابًا انتقلت معها إلى كتاب آخر.

بداية القلق

مرّت الشهور والوضع هو الوضع، والحال هو الحال، كلّما جئنا لنسأل البنت عن حرف من الحروف أو عما أتقنته ممّا تعلّمت نجد بأننا لم نتقدّم كثيرًا.

عند ذلك بدأت اسأل نفسي: هل من الممكن أن البنت تعاني من عسر في التعلّم؟

هل هي مصابة بالديسلكسيا – Dyslexia (عسر القراءة)؟

لكن جئت لأقارن مستوى البنت في مجالات الحياة الأخرى، وفي الذكاءات الأخرى، فوجدت بأنها في نفس ذلك العام الذي بدأنا فيه بتعليمها القراءة كانت قد حصلت على المركز الأول على مستوى السلطنة في مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم بالنسبة لجزء عمّ.

وكانت المسابقة في ذلك الوقت ما زالت تستقبل الصغار وهناك حفظ لجزء واحد هو جزء عمّ، وهكذا.

فإذن، في جانب الحفظ البنت متمكّنة، وفي حياتها الاجتماعية قدراتها عالية.

ثم ذهبت إلى المدرسة الإنجليزية التي تدرُس فيها، فوجدت أن البنت قد حقّقت تفوّقًا في مختلف المواد، فقلت في نفسي بأن الخلل إذن يكمن في المنهج الذي تدرسه، وليس في التكوين العقلي لهذه البنت الصغيرة.

ولكنّني – والحق يُقال- بقيت حائرًا؛ لأنني لا أعرف منهجًا من المناهج التي يمكن أن أتخلص خلالها من تلك المشكلة.

نهاية النفق

قدَر الله تعالى أنه في كثير من الأحيان يُعطي حين يَمنع، ويأتي للإنسان بالإشراق في ثوب الإحراق، ويجعل له المنحة في ثوب المحنة، ومن هنا بدأت قصتي في تعليم القراءة فكيف ذلك؟

حين ذلك كانت ابنتي الثانية خولة قد وصلت إلى سن الرّوضة، والقانون في بريطانيا لا يلزم الحكومة البريطانية
بتعليم أطفال ما قبل المدرسة. إذا لم تجد لابنتك روضة فالحكومة لا تلتزم أن توفّر لها روضة، بخلاف الطلاب الذين وصلوا إلى الصف الأول.

طفقت أبحث عن روضة أطفال لابنتي خولة فلم أجد، وفي يوم من الأيام ذهبت إلى مسجد في مدينة ليستر البريطانية وكان هذا في العام الثاني، ووجدتُ في ذلك المسجد إعلانًا عن مدرسة يقيمها المسجد لتعليم القراءة، ولتعليم القرآن الكريم، وكانت الإخوة القائمون على المسجد من شبه القارّة الهندية،

فقلت في نفسي:

• أولًا: ما الذي ستتعلمه ابنتي على يد أعاجم؟ كيف يمكن إدراك الحروف وصفاتها ومخارجها على يد أناس غير عرب؟
• ثانياً : على أقل تقدير ستجد البنت متعة في خروجها من هذا البيت الضّيق، ومن قضاء ساعات النّهار وساعات الليل مختزنة بين أربعة جدران.

ثم عدت وذهبتُ بها فأُعطيَت كتابًا ما زال الإخوة في الهند وباكستان وبعض الدول يدرّسونه لأبنائهم وهو كتاب أحسن القواعد، فدفعنا جنيهًا إسترلينيًا واحدًا لهذا الكتاب، وبدأت خولة تدرُس هناك.

الكتاب الذي ساعد البلجاء

بعد مدّة ليست بالطويلة، ما أجزم بها أنها تصل لشهر واحد، رجعت خولة وقد عرفت الحروف الهجائية جميعها، فبقيت مستغربًا: ما هذا السحر؟ أنّى لخولة أن تعرف الحروف في أقل من شهر، بينما البلجاء بقينا معها أكثر من عام ونحن نحاول ونحاول دون جدوى!

هداني ربّي أن أذهب للمدرسة وأشتري نسخة أخرى للبلجاء، فذهبت لخولة وقلت لها: يا خولة، ما تتعلمينه في المدرسة علّميه البلجاء حينما تكونان معًا في المنزل.

بدأت البلجاء تتعلّم الحروف من الكتاب الذي تدرُس منه خولة بنفس الطريقة، وما هي إلّا أيام حتّى أنهت البلجاء الحروف الهجائية ثم بعد ذلك انتقلت إلى المراحل الأخرى.

بقينا مدّة يسيرة في بريطانيا، ولمّا رجعنا إلى البلد تركتها مع جدّتها لأمّها، فأكملَت جدّتها المسيرة لتعليمها من كتاب القاعدة البغدادية الذي تعرفونها جميعًا،

وبنفس الطريقة التي كانت متّبعة من قبل في العالم الإسلامي من أقصاه لأقصاه وهي طريقة الهجاء (أو ما يُسمّى بالطريقة التركيبية).

عملت على تخزين هذه الملاحظات في نفسي، وأتساءل: علام كلما مررت على بلد سمعت بأن الأطفال يعانون من الضعف القرائي وبأنهم يصلون لمراحل متقدّمة من العمر وهو يعانون؟

أين العالم الإسلامي عن مثل هذه المناهج التي كانت موجودة من قبل؟

إقرأ مقالة كيف تجعل طفلك يحب القراءة

حياة جديدة

بعدها رجعتُ إلى بريطانيا لوحدي، ولمّا اتّصلت بعد أيام من رجوعي سألت عن البلجاء أين وصلت؟

فقيل لي إنها ختمت مراحل تعلّم القراءة وانتقلت الآن إلى تلاوة القرآن الكريم وقد وصلَت إلى الآية الثامنة والثلاثين من سورة البقرة.

وبعد رجوعي من بريطانيا ذهبتُ إلى مكّة المكرّمة مع أسرتي، وهناك وجدت كتابًا جديدا وهو كتاب القاعدة المكيّة، فوجدت أن كتاب القاعدة المكيّة قد تفوّق على كتابَي أحسن القواعد والقاعدة البغداديّة بأن جميع أمثلته من القرآن الكريم.

وحينما جاء ولدنا الثالث بلج، بدأنا نعلّمه في المنزل هذه المرّة من خلال كتاب القاعدة المكّية، وزُوَينة كذلك تعلمت من كتاب القاعدة المكية.

وبدا لنا بعد ذلك أن نعمّم هذه الفكرة، فافتتحنا مركز العيسري في عام 2009 وبدأنا مع كتاب القاعدة المكيّة، وحمِدَ أولياء الأمور العاقبة، فأصبح أطفالهم الذين وصلوا إلى السادسة يدخلون إلى المدارس النظامية وقد عرفوا كيف يقرؤون من أي كتاب مَشكول، وكذلك انتقل بعضهم إلى تلاوة القرآن الكريم.

على خطى ابن بطوطة

لكنّني مع فرحي بالقاعدة البغدادية وأحسن القواعد والقاعدة المكية والقاعدة النورانية وغيرها من الكتب، طفقت أطوّف الأرجاء حتّى تكتمل الصورة في ذهني، وأعرف ما  محاسن هذه الطّريقة وما معايبها.

قمت بالبحث والتقصي وزيارة بعض المساجد التي ما زالت تُدرِس وفق القاعدة البغدادية في عُمان، وزرت مساجد يدرّس فيها إخوة من شبه القارة الهندية كتاب أحسن القواعد، كما التقيت ببعض كبار السن الذين يدرّسون القاعدة البغدادية.

ثم انتقلت إلى دولة الإمارات وبالأخص إمارة الشارقة، واستمعت هناك إلى بعض من الأساليب في تدريس القاعدة البغدادية المطوّرة، ثم إلى مكة المكرّمة وزرت بعض المدارس والكتاتيب التي في المساجد،

بعد ذلك ذهبت كذلك إلى حلب الشهباء، وبقيت هناك مدّة شهر، وانتقلت في عدّة مساجد ومعاهد وغيرها من المدارس التي كانت تدرس الجزء الرشيدي،
وكان هناك ايضاً جزء آخر وهو عبارة عن القاعدة الحلبيّة، وجمعت ما وصل إليّ من كتب بعضها يعود إلى ما يقارب قرنًا من الزمن.

وبجمع هذه الأمور، استطعت أن أتوصّل إلى بعض القواعد لعلاج الضعف القرائي وأتوصل إلى بعض المعايب التي وُجدت في تلك الكتب المُتّبعة في الكتاتيب وتابعت من هنا قصتي في تعليم القراءة.

الخطر الكامن في تعليم القراءة للأطفال

ولأنني هنا لستُ بصدد بحث مفصل في  ذكر معايب الكتاتيب ومحاسنها ،فإنني أكتفي بذكر جانب واحد وجدّته في عدّة كتب وبالأخص في كتاب القاعدة المكيّة، وهو يشكّل خطورة على أطفالنا.

فكتاب القاعدة المكيّة يعلّم الأطفال القراءة بل ويعلّمهم كذلك الكتابة، ولكنّه يهشّم القاعدة النحوية الموجودة فطريًا في عقول الصغار.

فكل إنسان يولد تولد معه فطرة وسليقة لتلقّي التراكيب اللغوية كما جعلها الله سبحانه وتعالى، وكما تلقّاها النّاس، فالطفل بطبيعته إذا وُجد في بيئة تمكّنه من رفع المرفوع ونصب المنصوب وجر المجرور وجزم المجزوم فإنه سيفعل ذلك وإن كان لا يعرف القواعد التي ذكرها النحاة في كتبهم.

فمثلا: فطرة الطفل تجعله يتبع القاعدة النحوية في أن المثنّى إذا كان مرفوعًا فيقول: (يدان) بإثبات النون، ولكن إذا قمت بإضافتها فإنه يحذف النون ، قال في ملحة الإعراب: وتُحذف النونان في الإضافة.

ومن أمثلة حذفها في القرآن قوله سبحانه في سورة المسد ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ).

أقول: هكذا يتحدث الطفل بفطرته وسليقته، ولكّنه إذا بدأ حياته مع القاعدة المكيّة فإنه سيجد – مثلا-  
مثنًّى حُذفت منه النّون في مواضع لا يجوز فيه حذفها.

وفي بعض الأحيان يجد فيه أفعالا مضارعة مجزومة، ولم تسبقها أدوات الجزم، أو أفعالًا مضارعة منصوبة، وهي غير مسبوقة بأدوات النصب، فتضيع السليقة، وتتهشم القاعدة النحوية الفطرية في عقل الطفل.

وإذا جاء بعد ذلك ليتعلم النحو فإن الفطرة أو السليقة النحوية تكون في ذهنه قد تهشمت بسبب أنه كان يُكرَّر أخطاء، وكان يُكرَّر كلمات تسير على خلاف القاعدة اللغوية.

جمع المحاسن لـ تعليم القراءة للأطفال

من أجل ذلك فإنني أردت أن أؤلف منهجًا يجمع محاسن هذه المناهج التي زادت عن العشرين مما وصل إلي من القاعدة البغدادية، والقاعدة النورانية، وأحسن القواعد، والقاعدة المكية، والقاعدة المصرية، والقراءة العربية الهندية، وجزء رشيدي، و كلها تسير على وفق هذه القواعد.

فلذلك جئت اجتهدت أن أجمع محاسنها في منهج القارئ العبقري، ليجتمع فيه ما تفرق في غيره.

ثم أضفت إليه محاسن المناهج الحديثة التي اطلعت عليها حين إقامتي في بريطانيا وفي تونس، وحليته بخلاصة ما اجتمع لي من عصارة أدب الأطفال من قارات العالم خلال رحلة بحث جاوزت ربع قرن.

وبحمد الله وتوفيقه درَسَ منهج القارئ العبقري عشرات الآلاف من العباقرة الصغار في مركز العيسري، وفي غيره من المدارس والمراكز، وفي البيوت أيضا.

بعض العباقرة الذين نشأوا على مناهجنا تخرجوا وتزوجوا وأنجبوا؛ ومنهم ابنتي البلجاء التي كانت محورا لهذه التدوينة؛ فقد أكرمها ربها بأميرتها الصغيرة غيثاء.

وقد درست العبقرية غيثاء منهج القارئ العبقري، وحصلت على تاج التفوق في العام الدراسي المنصرم. وتعمل البلجاء الآن مسؤولة عن الشؤون المالية في مجموعة مدارس القارئ العبقري بفضل الله وكرمه وهو بسبق حائز تفضيلا.

على الرغم من أن الذي قلته لا يُلغي محاسن تلك الكتب، فمن استطاع أن يصل إليها ويتجاوز العيب الذي ذكرته هنا، فإنها كتب مباركة استفاد منها العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه في تعليم القراءة للأطفال.

وما أنا إلا واحد من جموع المربّين المسلمين الذين وفقهم ربّي سبحانه وتعالى لتعليم أطفال المسلمين لسان القرآن، فأردت أن نشترك في الانتفاع بتجربتي وتجارب غيري، فإن أصبتُ ففضل من الله, وإن أخطأتُ فمن نفسي ومن الشيطان. والله أسأل أن يبارك فيكم وفي ذرياتكم، ويجعلهم قرة عين لكم، ونفعا للإسلام وأهله.

وكتبه أخوكم الداعي لكم بالخير:
عبدالله بن عامر العيسري
مؤلف منهج القارئ العبقري

و إن كنت تبحث عن أفضل كتب تعليم القراءة للأطفال و الألعاب التربوية و الترفيهية، فأهلا و سهلا بك أنت في المكان المناسب في متجر سدرة